من حكاوي الصبا (2)، محمد علي طه الملك

Reminiscing
By Mohamed A. T. Almalik
Part Two
Art Work by Rani Elsamani

من حكاوي الصبا


رسوم راني السماني


محمد علي طه الملك




كانت بدورها حكاية من الحكاوي المخيفة لنا.
قيل لنا إنها تعيش وتعشش داخل حقول القصب،
لها خرطوم طويل يلتصق بأنف من تعثر عليه وتكتم أنفاسه إلى أن يفارق الحياة!
لا، وبل يذكرون لك أسماء صبية وأطفال كانوا برفقة آبائهم واختفوا، ثم عُثر عليهم
موتى متيّبسين داخل الحقل.
كأن أشد ما يخيفني الدخول لحقول الذرة بمفردي.
وإلى زمن قريب، كانت الرهبة تملؤني عندما أمر بمفردي بين مزارع الذرة.
كنت عندما اسمع حفيف أعواد القصب تحركها الريح، تسرع خطاي ويزداد
وجيب صدري حتى أتجاوز المكان.
لم يصف لنا أحدٌ كم حجمها وما هي صورتها ولكن أخيلتنا كانت ترسمها كيفما تشاء.
تماماً كما كانت تُرسم صورة الحكومة في شخص رجل ضخم الجثة، يملك من القوة
والسطوة ما يخيف كل الناس فيطيعونه ويلتزمون أوامره. وإن كانت الحكمة وراء اسطورة
السحارة هي تأمين حياة الأطفال من الغرق، فإني لم أتبيّن الحكمة وراء اسطورة
مصاصة الأنوف إلاّ بعد بلوغي المرحلة الثانوية التعليمية حيث بدت الحكاية أكثر
قرباً من وقائع العلم المتعلق بخصائص النباتات والتمثيل الضوئي.
غافل من يظن أن أهالينا كانوا أميين بلا معارف!
صحيح أنهم لم يتلقوا معارفهم من على مقاعد الدرس،
ولكن فطنوها بتراكم المعارف التجريبية.
جرت العادة بأن يسمح مالك الحقل للأهالي بدخول حقله في أوقات الصباح أو بعد
الظهيرة. فالأهالي يحتاجون لتلك الحشائش والطفيليات النابتة حول سيقان الذرة
لغذا حيواناتهم.
وجرت العادة أن يطلب مالك الحقل إزالة تلك الحشائش وتنظيف مزرعته ليأتي انتاجها
طيباً.
يزحف الأهالي بتؤدة وحذر وهم بمناجلهم يلتقطون تلك الحشائش والطفيليات حتى لا
تتكسر تحت أقدامهم سيقان الذرة.
في وقت يكون فيه الجو داخل الحقل، بعد الظهيرة، حاراً وخانقاً لكثافة الرطوبة.
أتراهم لذلك ابتدعوا اسطورة مصاصة الأنوف لإبعاد الصغار ومنعهم من البقاء داخل تلك
الحقول؟
يمكن!
  • بنية بت المنا لقوها يابسة حطبة في حوّاشة ود السروجي.
  • سمعت قالوا حبوبتا مرقت تجيبلها قش لي غنيماتا وبارتا الشافعة.
  • اللوم كلو على أمها. هي ما عارفا الحبوبة أضانا تقيلة؟
  • القدر يعمي البصر يا خوي.
وتستمر الحكاية بشخوصها ومسرحها، تنتقل من جيل لجيل.

Comments

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality