وضحك الأفغان

========

الأسماء في هذه القصة مستعارة

احتفلت السيدة سيمون لتوها بعيد ميلادها الثمانين ومهرته بأعلانها عن امتلاكها لقوة عضلية غير مسبوقة. قالت إنهاأقوى من أي رجل بما فيهم (الدرقيست) ذاته، كما كان يحلو لها ان تناديني. وقالت إنها نزعة جديدة. بل أضافت أنها لم تكف عن مكابدة النزعات. قلت لنفسي، نزعات في الثمانين؟ يا له من أمر يدعو للتفاؤل!
ثم إنها أكدت مزاعمها العضلية تلك بهزيمتي على الطاولة في مباراة ثني الذراع أمام الزبونة الفيتنامية تران التي رجعت كعادتها لتسألني نفس سؤال الأمس عن الكالسيوم وكنا قد اتفقنا أنه لا ينبغي للفيتناميين ان يصابوا بهشاشة العظام، على الأقل، لصلابتهم أمام الفرنسيين والأمريكان.
لكن اهتمام سيمون المتأخر، وهو متأخر بلا شك، بالقوة العضلية ربما كان سببه الفناء الماحق للغريزة الذي أحدثه طول المكث في الحياة. قلت لها مازحاً ذلك اليوم، معك حق. فبعد ثمانين عاماً من الحياة كامرأة لابأس أن تجربي أن تكوني رجل. فنلت بذلك ضربة من قبضتها لا زلت عاجزاً عن توصيف آثارها. وأنا اصلاً ما كان يخصني ما يفعله الخواجات في صراعهم العبثي مع الموت لكونهم غافلين، غفلةً تتناسل منها المسرات، عن أن طول الحرب هو أحد مطالب الطرف الثاني الأصيلة.
دخلت سيمون الصيدلية ذلك اليوم ساخطة لانقطاع السي يستا siesta. كيف يجرؤ أحد على قطع نومتها الوجيزة المطرزة بومضات الهرمون النباتي الذي أصرفه لها مشفوعا بتمنياتي المهنية الخالصة؟ وأخذت تلعن بحرف الفاء الانجليزي مبذولاً لكل الحضور. وخصت بالذكر طيبه للحاسوب وربيبه الانترنت وكل تجليات الثورة العلمية التكنولوجية مثل، وهذه من عندي أنا، القنوات الفرنكفونية التي لا تنتظر الصغار حتى يناموا.  فلقد أرسلها زوجها العجوز مثلها لاحضار ذلك الدواء اللعين (الذي يستخدمه في الانترنت).
توجست خيفةً صيدلانيةً من أن يكون هناك دواء طلع للناس لهذا الاستخدام دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء اخطاري به. الدواء الوحيد الذي عبر ذاكرتي على أي حال هو للاستخدام فيها أو معها هي سيمون شخصياً وليس في الانترنت.
وانتبهت للحضور.
كان اثنان من الافغان ينتظران وصفة تعد لهما فبدا أنهما يعتذران لي لانشغالهما بسذاجة مجيدة أحضراها معهما لا تسمح لهما بالنظر في أي أمر آخر. بينما تصنعت تلك الكويتية، البدون، المحجبة بعناية عابرة للبحار، قدراً من الامتعاض لانشكاح الخالة سيمون الفاضح.
حاولت أن أتذكر شكل زوج سيمون. فمساعدتي السلفادورية قوية التنسيب كقريبها الكاتب ماركيز متغيبة اليوم بفعل دورتها الشهرية الكاريبية. فهي التي تقول لي ألم تعرف هذا؟ انه زوج فلانة.  ألم تذكر هذا الرجل انه الذي أحضر علبة دواء الايدز ملوثة بدمائه ذلك اليوم، وناس الايدز يفعلون هذا حتى يتأكدوا أن مرضهم قد دخل عميقاً في دائرة الحكاوي الشعبية المخيفة.
تطلعت في بروفايله فلم تكن لدينا صورة له فهو من الذين رفضوا أن نضع صورهم على البروفايل لكي أعرف أنا فيما بعد أنه أصلاً موّسوّس في مسألة الصور. وكانت الفلاحة التي انتقلت للعمل معنا في الصيدلية قد قالت كلاماً طيباً لسيمون بالفرنسية من نوع دعيه يا شيخة معتقدة أن السيد زوج سيمون ربما كان يقوم بآخر أبحاثه المجدية في الحياة. لكنها صرخت عندما قرأت اسم الدواء على الفورم الذي طلبت منها تحضيره،
- أوه ماي قاد! السيد فنسنت يستخدم الفياغرا!
فهتفت سيمون التي ظننا أنها لم تسمع:
- وفي الانترنت يا عزيزتي!
وقبل أن أفكر في اشهار بيان خصوصية وسرية المعلومات في وجه الفلاحة، ضحكتُ، ضحكنا.
وضحك الأفغان!
-----------------
نُشرت بموقع سودان للجميع نوفمبر 2005

Comments

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality