ونذكر سين

ونذكر سين
سردٌ أقصى حريٌ بذاكرة قصوى

**********

أطلت مكوثي بها بعدك ردحاً وكنت ظننت أني، قبلك، ذاهبُ.
وأنت الآنَ هناك، هناك، تلحُ عليّ بأسئلة النار.
ألا تكف عنها يا غريبْ؟
حتى وأنت بين يدي مليك قهارْ؟
ألا إنك في مأمنٍ من سهامي أكيد. ليس كما كنت، سابقأ، تنال عقابك مني سريعاً على أخطاء تسميها صغيرةْ، ونذهب بعدها، أنا وأنت، نحو حلوى طحنية، نحو فولٍ على البازار.
أم نحو هُزال الغزَلْ وغزَل الهزلان؟
تقول لي، بناتُ "الأحفاد" يخفن انتظارك وكذا بنات "كلية المعلمات".
حسنٌ، حَسن. ولكني أخاف حَسن(1) وليمونه القشعري أكثر من خوفي على ما بدا لي كشيئٍ بلا كيسيّ صَفن!
وكنتَ تقول لي: عيبٌ، فهذا شعارٌ مجلسنا البلدي.
كنت أقول لك بل هو ما نصب الاغرابُ فوقنا حين أزف رحيلهم لنذكرهم بغيظْ،
وتضحك.
كان يسرك أن أقدح في بريطانيا العظمى وكنتَ تشكر أنت روسيا بلشفية.
كنا نخاف كذلك خ، ويصعب وضعها بين قوسين،
فالشداد شدادٌ حتى على اللغة.
ودعنا الآن منها فهي قصوى، حريٌ بها السرد الأقصى.
كذلك كنا نخاف ونهوى تلك البنت سلوى. أتذكرها؟
كانت تمر كمر الغمام على شارع الموردة فننسى أنه الحرُ أمضّنا أو أنه كدر الطرماج وربما هو أيضاً ضراط "سلاطين". في الحقيقة كنا نخاف أن لا ترانا أو أن ترانا كنملٍ شقيْ. نخافك سلوى أكثر من مخافتنا من القاضي حبيب.  
أتذكر هذا كله؟
أتذكر كل هذا ؟
لا ...بجد، أتذكره؟ لاني أعلم أن ليس هناك في عالمك الجديد مثله.
ليس في عالمك أن تخادع سائق تاكسي وتستدرجه، منجعصاً على المقعد الخلفي في السيارة، لمشوار ستأخذه الخالات منتظرات، وتنزل عند باب البيت، فتهرب من فناء لفناء عبر نفاج وأبواب سرية ويركض السائق المحنوق عبر مفازة الأهلين، وتلحق أنت أن تهرب.
ليس هناك في عالمك مثل حكايتي هذي فما آنست عندك؟
أفاكهةً وأبّا؟ أم حدائق غُلبا؟
وتسألني أن أفتح الملفْ.
لكنني متشكك
في دقة الاحداثِ والصدفْ.
وأنت الذاكراتُ على ضفاف الأمسِ كنت ونيسها الأكبرْ.
أخي، لديك مطلقُ الأبدْ. فلا تكلفني شططاْ وتذهبْ .
سأذهبُ. يكاد عقلي يذهب.
وهل اذهبْ بغير تذكرٍ طفيفٍ للطوابع الانيقةِ التي احتازها حمد؟
كنت تقول إني لا أدانيه، فهو يذهب خلف كبري النيل الأزرق، في مضارب الفرنجةِ والشوامْ،
وأذهب أنا إلى الملجا وسوق الهنود حتى أشم رائحة السعوطْ أو تركض نحوي عفاريت الترامْ .
كنت أنت بلا هواية.
تذهب للنهر متى تشاء. وتصطاد الطيور خلف مبنى اذاعة ام درمان.
كنت أدس ألبومي باعزاز وفخر، وتشهر أنت في وجهي "قلّوبية" صدئه
أو نبلةً بلستكي طيران(2)
لم تكن تلك هواياتْ. فما جدوى أن تشوي طائراً في حجم الدوري ود ابرق؟ ربعُ لقمةٍ سائغةْ أو حتى أقلْ. لكنها كبرياءُ الصائدينْ.  كذلك أين كانت الهواية حين قطعتْ نهر النيل سابحا حتى الجزيرةِ توتي ونحن نرقب بين ذعرٍ وانبهارْ ورجعت، يومها،َ مزجورا على مركبٍ ألح صاحبها أن يأخذك لأهلكْ لولا أن قلنا له: لا أهلْ لك، يا عمنا والله لا اهل له. حيلةٌ مررها أصغرنا وهو بعدُ في لباس داخلي لم يجفْ. فغادرنا الريسُ مغاضباً يضرب بعصاه النيلْ، وكان فيه مسٌ من محَسْ.
هل يستوي جمعُ الطوابعِ والشقاوات العديلْ؟
صحيحٌ أن طابعَ فورموزا كلفني رهقاً ودقْ.
لكنني تمسكت به كنزًا عزيزًا كالحَدقْ.  
إذ لم يك في أم درمان كلِها من حاز مثلي طابعاً لهذه البلد.(3)
و...تسألني أن أفتح الملفْ. و ذاكرتي قابلةٌ للطرقْ.
يستوي فيها خيالي والمدّونُ. لاتَ فرقْ.
ذاكرتي تجيبك عن سؤالك في طشاش عن السينما وزمجرة الرغائب بالذهاب.
حسنٌ. كيف كان عبورنا لخور أبوعنجة على ما قيل عنه: ربابيطٌ، ملاقيطٌ، عفاريتٌ، على شكل ذئابْ. وكيف شققناها أزقة بانت عابرين على شوكِ التهجس بالتحرش، لأن الدنيا وقتها كانت أقاليماً إذا لو كنت ذاكرْ. كانت بها شبهة قرابة بالكلابْ. فكلُ حيٍ فيه كلبٌ يزدريه عبورُ كلبٍ ليس منه. وتلك قاعدة رعيناها على ما تطلبه الأمر من عقف الأذانب.
لكنني، فوق ذلك، لم أكن أحبها سينما بانت لأنَها يرودها رهطُ العساكر. لم أطق سينما العساكرْ. وما ذهبتُ إلا لأثبتَ لك أن فوندا(4) هو الشريرُ وجيمز ستيوارت كان البطلْ، كان الملاكْ. على عكس ما عرفنا. وكنتَ تقول باستحالة ان يكون فوندا هو الشريرُ. صحيحٌ، كان أغلبُ أفلامه، صديقاً للبطل أو خائناً أشرْ لكنه، في خاطري، كان دوماً بطلْ، لكونه كان والداً لجين(5)، وللسينما مشاويرٌ سنذكرها. بانت، العرضة، برمبل- قديس- ومن ثم، البلو نايل، وطنية غرب. رطانةُ عاشقين. الحبُ يعني ألاّ تضطر لأن تقول إنك آسف. هل كل هذا، تذكره هناك، حيث نهاية التاريخ والسينما أم أنك مكتفٍ بتذكر سين؟
ونذكر سين.
نذكرها على مر السنين.
نذكرها لكي نجيب الاسئلة، أو أننا نزكي الترهات، أو نذهب إلى المحطة الوسطي، كي نجلب عاملاً لان الدنيا قبايل عيد. أتذكرهم، أمام قهوة شديد؟ يجلسون من فجرٍ لأن الرزق، وقتها، كان يوزع في الصباح ليس كما هو الآن يوزعه ابناء كارليوني من قبوٍ أسفل المرقص(6)  و تسألني عن كيف تم كل ذلك. كيف تم عقد قراننا بالمعرفة؟
إنها السينما، خلعتْ علينا رداء الزهو مصحوباً بموسيقى. أتذكر كم عرفنا منهمو، مَن يصنعون للرؤى موسيقى، حتى أتاهم من صنع للحن رؤاه(7) بل صنع رؤيا من موازير الغناء. هل رأيت الصاوي(8) يتلو عليك أسماء من ألّفوا الموسيقى لقتل طائر ساخر أو حتى لجملة ما أتى من لدن جيمز بوند وصانعه فليمنج. في مشوارعودته لبيتهم بالموردة، يماطل الصاوي الظلامَ بالرؤى، أتى بها، ويصغي، لمّّا يزل، لبداية الدور التاني وفيه، كما روى، شيئ من الحسد. في جيده شيئ من حسد، الدنيا كانت امتحانات لكننا لم نكن نصدق ان دخول السينما مضيعة لوقت. كنا ندخل السينما لان الفيلم موسيقاه من صنع برنشتاين أو جولدسميث أو موريس جار. ولكنك بالمناسبة لم تكن تحب مارلون براندو وجيمز دين، رغم علمك بيسارية مزعومة، كما عرفنا بعد عهد وزمان، للمعلم اليا كازان. ولم تكن بمأمن من براندو ودليلي على ذلك التي شيرتك الأسود.
لم أدر كيف حصلتَ على ذاك القميصِ الاسودِ؟ من الطوخي أم الزيات؟ أو هو من حسن صالح خضر(9) وتضحك سعادْ لفظاعة تخميني، إذ لايبيع هؤلاء السادة ملابس، فهم تجار خردوات. ولم تُذهب سخريتها مني قولتي بانهم قد يفعلون ذلك في الاعياد. بل ردت الأمر إليّ فقالت، أنت ما أدراك؟ وهل كانت مشاويرك إلاّ مُطرّفاً بالسوق كي تحضر لأمك قرص بقانين ومبتعداً عن نيوب الليث في واجهة المكان.
كانت سعاد قد بانت من تحت ترابيزة المكوه لتشهد مبارزة محتملة بيني وبينك على غرار ما رأته منا حين لعبنا فيلم الضحى الاعلى، (10) فهي تدري أنك لا ترضى الحديث خارج ألعابنا عن تقليدك أبطال السينما، ولكن رويدك يا صديقْ فذلك القميص الاسود هو نفسه ما كان قاشراً به براندو في فيلمه العجيبْ الذي وصفته بأنْ ليس فيه سوى غرابة اسمهِ، جاك ذو العين الواحدة،(11) وحتى هذه ترجمها ذلك الخطاط ذو الشعر الكثيفْ الذي كان يكتب أسماء الافلام، ترجمها بتصرفٍ قسوة الانتقام واستوى على غبار الطرقات يدعو الناس من على عربةٍ يجرها، في سرهِ، حمارْ، أيها الناس هلموا. إنه أقوى من صراع في الوادي وأقوى من جانوار،(12) ثم لا ينسى أن يأخذ فص عنكوليب أو مخروط داندُرما نظير وقفةٍ مرموقة عند باب السينما!
أنت الآنَ بعد ان تغدينا وفرغنا للبرنامج الاوربي ما بعد نشرة الاخبارْ أو لفيصل النور التجاني(13) تخرج للفناء الخلفي بذلك التي شيرت وتجلس تحت الشمس تلقط بالملقاط حباتِ الشباب، رغم تحذير الوالدةْ. ألم يفعل براندو نفسَ هذا الشئ في فلمهِ؟
ألا إنك في مأمنٍ من سلاطتي، وليتك كنتَ هنا لتسمع وصفَ شخصٍ اسمه دريدا لحرب الخليج. ألم يقل إنها ألعابٌ تلفزيونية؟ بل قال آخرٌ إسمه بودريار إن التلفزيون هو الذي يشاهدنا، بالغَ هذا البودريار أليس كذلك؟ ولكن دعك منهم فلن تهمك تعقيدات ما بعد الذهاب.
أتذكر سين؟ وأنا وأنت وآخرين
وأخريات
والحفلة كانت ب"عوض الكريم". صبحيةٌ أخرى جريئة من صبحيات أم درمان، مفضوحُها الصبُ والصباتْ، حيث لا ليلٌ يسربل النظراتْ ولا يعلو على روؤس الجرتق غير فوح الأماني الضارياتْ، واما القيزان فيضايرنها الخالات.
بالله عليك دعني أحكي لأن جوهر انقسامك عني، قبل زمجرة التناتوس Tanatus، يتحسس الباحث بعضاً منها في ما يلي وما هو آت.  فسين، في حمى تخبط الوجد النهاري على الملأ، لم تكن لتتوقع، سين مين، بل أي إلاهة بلا أعباء Goddess at large لم تكن لتتوقع أن تطلب منها أن تجلب لك (لقيمات)، يا إلهي، أذهلت كيوبيدَ واللهِ.  نقل الإسعافُ إلاهة الحب مغشياً عليها. لقيمات؟
أنا لا أشير لصعوبة جلبه، وقد لملمتِ الخالات أقداحه، بل أشير لطلبه. لم أدر كيف يجرؤ أحدٌ أن يعطب وَجداً بدهنٍ تنز منه لقيمات؟ وهذا لو حدث بعد سنين لكنت قلت عليك وأنت تطارد في المرآة تلك الحشرة المسئولة، في زعمك، عن حَب الشبابْ، ولا وجود لها، لكنت قلت: إنها الواقعية. من الواقعية الاشتراكية أن تطلب من حبيبة مرجوة، تراها لأول مرة في بيت عرس، أن تحضر لك شيئاً من جوا، من باطن عقر المضيف.
في ذلك اليوم ذهب مرتضى دون أن يأخذنا معه. أتذكر؟ ربما باعنا مرتضى تلك الليلة من أجل نورا وهي لم تكن تحبه وتزوجته زورا، وهما الاثنان للمناسبة في نواحيكم إثر حادثٍ مشين. أقول ربما باعنا وربما طلبت منه سين أن يتركنا لها، هكذا كانت تريدنا جمعاً، وليس مفرَدينْ. يتركنا لها. وما لم تفهمه، يا بعيد، هو أن سين لم ولا تحب القسمةْ.
قلت لنجم، وأنا أبحث عنك وسط أولياء الطشمة، قالت إنها تحبه. فقال لي، دي؟ أم مخاخيت دي تحب شنو؟ كان قاسياً كعهدنا به اذا ذكرنا الفتياتْ، أتدري أنه تزوج، قال، لأنه لم يجد جميلةً في قبيل العاهراتْ. وكنت سأدافع عنها وأقول إن المخاخيت توقفت لعلاقة عكسية بينها والنهدين لكنني رأيت لحظتها البراقْ.  نعم البراقْ.  ذاك الذي أخذتنا فيه حتى بيتنا ومررنا به فوق سيارة مرتضى فرمَتك سين بنظرة سنينة لأن مشهد نورا كان قد خلبك. كانت نورا بأضواء المساء محضورة.  فقلتَ أنت، يا لَلجمال.
بأبي وأمي أنت يا أخي، معاكسَ النجماتْ،
من المناسب أن أحكي لك ما سمعتَه من قبل ولم تصدقْ بل ما فعلته أنت نفسُك ولم تصدقَه لأنك الآن في مقعد صدقٍ لا يحتفي ب ولا يحتوي ابعادْ.  فتقبلني بعرفانٍ أخاً لك من إرما أم قدودْ التي ليس بها غير الجوى وهوان العهود.  
ما حدث ببساطةْ هو أنني، عندما عثرنا عليك، علمتُ منك أنك ذهبتَ مع أولاد ود أرو وأعادوك لبيت الحفلة في حال يسهل معها تصور البراقْ وغيره من العجائب الممكناتْ لكنك عقلنت سطلتك وتذكرت سين.
سين هذه التي سبها نجم الدينْ وهي أطعم من زوجه البدين. سين، يا عزيزي، أقوى من الدهاقنة السلاطين وأرق من نسمة كما قالت ستنا أم كلثوم. لكن نجماً وأمثاله وحتى أنا وأنت وسائر العباد لم نُعطَ من عرفانها بأكثر من بقعة أو بقعتين على غلاف مجلة الشبكة.
ذات مساءْ كنت بشارع النيل، بصحبة امرأة لا أعرفها فإذا بي أشوف لك سين، تمشي غير بعيد عن مجلسنا وبصحبتها رجل لا أعرفه. لا تبتئس، فمقصدي من الحكاية أعمق من أن يكدرعليك أبديتك الوارفة. وبشارةً بذلك هاك فزورة أعطيك لحلها مهلةً سبعينَ ألف سنةً ضوئيةْ، إن كنتم هكذا تعدون. أو في رواية أخرى: الفورةَ عندكم بالفرسخ والهكتار، وما وسعت رحمته الواحد القهارْ.  كم عدد من لايعرف بعضهم البعضَ حتى الآن؟
......
كذباً كاذب، ثم فيما العجلة؟ أم تراك شرعت في أسطرة البرزخ بحسابك الذي حررته كما زعمت من سطوة ارخميدسْ وذهبتَ قبل أن تشرح لي لماذا نغيّر اسم شارع الزبير الي شارع كوبرنيكوس، هذا الذي ظننت أنه بائع جبن رومي على تقاطع الجمهورية والقصر.
عندما رأيتُ سين ومن معها، المرأة التي جلستْ معي، على زعم المساجْ، تجشمت شوك السياجِ وأدبرت. ورحتُ أنا في حمّى استجوابي المفجوع أشربك أطراف الحديث. كان استجواباً ضافياً ذا نتائجَ باهرة، فلقد نفتْ سين أنها هي سينْ رغم غباء من معها إذ تدخلَ كي يؤكد أنها هي سين وماذا سأفعل. وتم تبادل نظرات حدرة، ليس بيني وبينه، بل بيني وبين سين كأنها تسألني عن رفيقها، ما به. وكانت حجتها القوية أنها هي سين ولكنْ ليست سين التي أعرفها. وهنا انبسط صاحبنا معتبراَ هذا القول انتصاراً له. وهي لم تكن سوى منكرة وتدري أنت إنكار البشر. أتذكر مختار حينما ضبطه والده يدّخنْ في الديوانْ وما كان منه الا أن قال: يا أبي هذا ليس أنا. فصاح الحاجُ والده: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وخرج. ومختار، فيما بعد، قال إنه كاد يشعلها مرة أخرى نشوةً وانتصاراً.
حقيقةً أعددنا خيالنا لفادح الإنكار. فارجع لسنوات الطفولة. هل تذكر ربيعْ الذي هو الآنَ اخصائيٌ تليع؟ كان معنا في روضة بِسمِّلا(14) أنت لم تكن معنا طبعاً ولا أذكر لك روضةْ. ربيعٌ هذا فعلها يوماً في الفصل وتوكلْ. وكادت المعلمة أنت تقضي رائحةً،لولا أن قامت، وبعملية تحديدِ موقعٍ أنفيةْ، وحددتِ الكنبةَ حيث جلس ربيع وتقدمت بحذر فشافت البلل وأخضر الضبابين، لكنه أجاب على سؤالها، أنت عملتها بأن قال بعزة عجيبة، لا، ما عملتها.
ولا زلت أعد إجابته تلك من خرافات ما قبل المدرسةْ ومن أقوى الاجابات!
ونرجع لسين. فهي قالت إنها هي، الآن، ليست بشْر. أرأيت مثل هذا إنكار؟ لا، وقامت مثل شوارزنجر، أتذكره في فيلمه ذاك، حين خلع عينه أمام المرآة ليصلحها لانها اصيبت؟ فمثله قامت سين فكشفت عن جيب بلوزتها فرأيت هناك سوستة، ليس في البلوزة، بل في ما بين نهديها وقالت لي: أنا أندرويد.
قلت لها: اندرويد؟ لا بالله؟ يعني عشان زريتك مع واحد تاني تعمليها لي خيال علمي؟
قالت: أنا ممكن اقلع ليك قلبي تشوف الفيوزات الفيهو وترجعو.
قلت لها: تقلعي لي قلبك؟ إنتِ رجعتي القلوب القلعتيها؟
ولم يكن فينا، بعدُ، أندرويد. وصدّق أنه لم تكن هناك فكاهة. فأنا انزعجت من الثقة، انزلقت في مرونة الخيال. ورغم ذلك فسين لا تكذب فهي ليست من نسلنا، ليست من نسل آدم. وهي التي علمتني كيف أميّز بين نسل آدم وأنسال أخرى ذكية. وللمناسبة فلقد تزايد عددهم بقدر مذهل بأكثر مما كان في أيام محاولاتك أنسنة بعضهم، تلك التي انتهت لكوارث لا زلت أحفظها عن أعين المتطفلين، ولن آتي على ذكر تفصيلها لأحد. ولكن، سألتها، من هذا الأحمق الذي (كفشتها) معه.  قالت: آه إنه لايرى. واضافت: لم ير ما أطلعتك عليه لتوي! ثم بقوة قالت: ألا تصدق ما أقول!
والتفتْ نحوه وقالت: أنظر لوجهي يا عولاقي.
فنظر الأبله ملياً ورفع كتفيه دون أن يبدو أنه رأى شيئاً.
كان ثمة دودٌ أخضر يخرج من بين عينيها. وكانت تأخذه بحنان ورقة وتضعه على النجيل فيختفي ولكن ليس بالضبط في هيئة دود بل في هيئة لا يملك وصفها أي تعبير. قالت لي: ألم أقل لك أنه لا يرى. ويحيا بجسد ذي علاقة غريبة مع الذاكرة. سرعان ما تنمحي وتعود بكراً، والآن سأرديه إلى نشء جديد. إنه كائن يتغذى بالموت. هكذا قالت ولا تسلني كيف، وأنت أدرى. وبدأ الرجل، أو ربما ذلك الشخص، خروجاً بصدى الحلزون يطرق أذني، ثم إذ به بعض حفيف على ورق الشجر.
تبسملت وقلت: يا سين أنت كإنسانة، تصلحين. أرجوك تعاملي معي كبشر.
فسألتني منك، قلت ابعثي له عولاقي، قد يأيتك بالخبر اليقين. تسأليني عنه وأنت من الغيوب تقتاتين؟ قالت: سألتُ كما تريدُ، كما البشرْ. وكنت كمَن يريد ولكن تأخر.
قلتُ أنا الذي يحتاجه فهل تأتينني به، هل تقدرين؟
وحين قالت: بلى، شهقتُ فحط شرطيٌ قبضته القوية على ذراعي. أول ما ذكرتُ أننا كنا في شارع النيل ليلاً. وتلك ساعة يتلمظ مرأى النقود فيها أيُما عسس!

*

يا حبيباً بتُ أشكو حرقة الوجد إليه، بلغني بأن على جانبكم من الحياة معارف جديدة، وربما مراجعات كنت أنت الأكثر حدة تجاهها. كنتَ لا تحب المراجعات. فهل أنت الآن أفهم مما كنت عليه معنا؟ هل أنت تفهم بشكل مختلف وأحسن بحيث أن سخريتك من (سين) للحد الذي جعلك توظفها لتلبياتك التي لا تشاركك فيها هي وبلا أدنى مكافأة منك لها على صبواتها، سخريتك تلك لا تزيد عن أن تبديك في صورة قديمة وآسرة  لزاهد فقيد وأنت الآن لا يرضيك تمرينٌ يتراخى فيه ارتداد الطرف ليبصر عودتك؟
وان كانت لك وصايا تردي بها سين لعالمنا من حين لآخر، وبتجاوزٍ لا تخطئه العين، عن وصل حميم لها مع شخوص غاربة فلماذا لا تزوّدها بوصايا لنا لا تسندها اجهزة حتى لو جاءت من وزن وصايا الأرض في ريش الحمام؟ أو من فضةٍ، زبدٍ وشوقْ، أو ما تشاء؟
هذا النص، وآخر سابق له، لن يوفيا تذكري لشقيقي حافظ مدثر.

حواشي

------------------------------

(1) صاحب كشك لبيع عصير الليمون امام محكمة ام درمان الشرعية.
(2) النبلة هي مفردة النبال كما في قول خليل فرح: نحنا النبال. وهي أداة لصيد الطيور تصنع من سيرين يقطعا من لساتك اطارات السيارات ويربطا على عود بشكل Y وكان منها نوع مصنوع من سيور قيل إنها من لساتك اطارات الطائرات فيقولون عليها لساتك طيران بما يعني تفوقها في الحدف وغيري أعلم!
(3)  بلغنا ونحن هواة جمع طوابع أن هاوٍ في نمرة اتنين، ولم نك بعد في سن قطع الكوبري بين ام درمان والخرطوم ولا نرى أن نمرة اتنين كانت أقرب من الحجاز، بلغنا أنه إحتاز طابعاً لفورموزا، وهي تايوان الحالية، فشحذنا هممنا لنجد طابعاً لهذه البلد العجيبة التي دام وجودها كدولة لستة أشهر فقط، ومع ذلك كان لها طابعها زي العجب. وحدث أن عثرت أنا على هذا الطابع النادر في كوشة في ميدان الملجا بسوق ام درمان ونازعني فيها بعض من كانوا معي واشتبكنا بالايادي فدافعت عن حيازتي لها ودام ذلك الصراع قرابة الساعتين، على طول المسافة بين ميدان الملجا وأطراف الموردة الشمالية حيث حي الهاشماب. وكنا نصطرع ونصطلح.  وعند وصولي البيت كان الطابع مكرفس لكن والدتي بحكمتها قامت بكيه لي بالمكواة وهي تآذرني في صمودي بعد الحصول عليها.
(4) فوندا هو هنري فوندا الممثل السينمائي الذى نال الاوسكار عن فيلم " في بحيرة ذهبية" على آخر أيامه.
(5) جين هي جين فوندا إبنة فوندا المذكور أعلاه وهي جين فوند وبس. علم على رأسه نار.
(6) روايات ماريو بوزو مؤلف رواية العرّاب، فيها دائماً رجال العصابات الذين لا ينامون ويصنعون المال أغلب الليل.
(7) يشاع ان ثيودوراكيس وليس كزنزاكيس هو من وضع موسيقى فيلم زد Z قبل الفيلم.
(8) الصاوي هو عبد الوهاب الصاوي السفير السابق ويمكن أن تكون الاشارة معني بها شقيقه الأصغر المهندس مصدق، لا فرق.
(9) كلها اسماء محلات أو اصحابها بسوق أم درمان.
(10) هو High Noon هاي نوون، فيلم كاوبوي شهير بطله جاري كوبر.
(11) One Eyed Jacks فيلم كاوبوي أخرجه ومثله مارلون براندو. تعلم براندو وجيمز دين وبول نيومان وآخرون فيما عُرف بمدرسة الطريقة Method التي أنشأها المخرج إليا كازان في الخمسينيات.
(12) أسماء أفلام سينمائية شهيرة.
(13) معد ومقدم برنامج ركن الجنوب في الستينيات.
(14) مدرسة مس ميللر (خواجية من المستعمرين) وكان الناس يقولون مدرسة بسمِّلا.









Comments

  1. الرحيل الصعب
    بقلم : بدرالدين حسن علي
    لأول مرة بعد سنوات من العمل الصحفي أحتار ماذا أختار من عنوان: رحيل الساحر أم رحيل قبطان السينما ؟ أم رحيل هجان الدراما الذي أخلى شوارع مصر من المارة ـ أم أتناسى عن ذلك وأقول رحيل صانع البهجة فأضم إلى القائمة المطرب القدير محمود عبدالعزيز !!!!!
    سبحان الله ! يشبهان بعضهما ...أحدهما بدأ من الإسكندرية ثم إلى القاهرة ، والثاني بدأ من " الحواته " ثم إلى الخرطوم ، كلاهما كان كريما أصيلا نبيلا أحبه شعبه لأنه أهل لذاك ، وكلاهما ترك وصيته لشعبه ، كلاهما بدأ من خشبة المسرح فوصل إلى المجد إما عن طريق السينما أو الغناء .
    بوسي شلبي زوجة الراحل المقيم محمود عبدالعزيز البنت المدللة لراديو وتلفزيون العرب ARTأشهرت بتغطيتها الإستثنائية لمهرجانات كان السينمائية ، وكانت تخص الفنانة صفاء ابو السعود وزوجتي الراحلة حوريه حسن حاكم بأخبار ما خلف الكواليس ، بل كانتا اول من عرف زوجها القادم محمود عبدالعزيز .
    سبحان الله كلاهما ترك عشرات الأعمال الفنية الخالدة ولكنهما رحلا رحيل ذلك الرجل الذي قال "إذا لم يكن من الموت بد من العجز أن تموت جبانا ".
    ولد محمود عبد العزيز في الرابع من حزيران (يونيو) عام 1946 في حي الورديان بمدينة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط وتخرج في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية عام 1966.

    قدم نحو 90 فيلما للسينما المصرية وأكثر من 15 مسلسلا تلفزيونيا وإذاعيا، إضافة إلى عدد قليل جدا من المسرحيات لا يتجاوز أصابع اليد.



    بدأ محمود عبد العزيز مشواره مع التلفزيون في 1973 بمسلسل (الدوامة) إخراج نور الدمرداش لكنه سريعا ما اتجه إلى السينما ليشارك في أفلام كبيرة مثل (غابة من السيقان) عن قصة للكاتب إحسان عبد القدوس وإخراج حسام الدين مصطفى و(الحفيد) تأليف عبد الحميد جودة السحار وإخراج عاطف سالم.

    ومع نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات نجح في اكتساب ثقة المخرجين والمنتجين في تحمل دور البطولة فقدم (العذراء والشعر الأبيض) أمام نبيلة عبيد في 1983 و(تزوير في أوراق رسمية) أمام ميرفت أمين في 1984 و(إعدام ميت) في 1985 و(الجوع) أمام سعاد حسني في 1986.

    وفي 1987 سجل عبد العزيز بصمته الأبرز في عالم الفن بالمسلسل التلفزيوني (رأفت الهجان) المأخوذ من ملفات المخابرات المصرية والذي جاء في ثلاثة أجزاء.

    بلغ قمة تألقه في عقد التسعينات وهو ما ظهر في فلمه (الكيت كات) إخراج داود عبد السيد في 1991 الذي نال عنه عدة جوائز محلية ودولية.

    ومع مطلع الألفية الجديدة عاد من جديد لشاشة التلفزيون ليصنع مجموعة مميزة من المسلسلات مثل (محمود المصري) في 2004 و(باب الخلق) في 2012 و(جبل الحلال) في 2014 و(رأس الغول) في 2016 الذي كان آخر أعماله الفنية.

    له من زوجته قبل بوسي ابنان يعملان بالفن هما: المخرج والمنتج محمد والممثل كريم.


    أضف تعليقك على الفيسبوك

    جبانا "

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality