وليد في قاعة بهاميلتون Artwood Hamilton

وليد في قاعة بهاميلتنون Artword Hamilton
------------
ايقاعات السودان هي مما تنبت الأرض. الأرض الطيبة التي لا تنتج الغذاء وحده بل تنتج التراث والثقافة. ونظرة إلى تعدد ايقاعات الموسيقى السودانية تشرح كل ذلك. فالسودان بلد متعدد الايقاعات بشكل لافت لأن انتاج الحياة كان دائماً قوياً وخصباً.
المردوم هو ايقاع القوة والحركة، تجده عند سكان جنوب كردفان، البقارة. فهم يتحركون في أرض خصبة شديدة العطاء وحيواناتهم قوية ومتحركة كالأبقار والخيل. الجراري تنتجه أرض قبائل شمال كردفان ودارفور، وللأرض قوتها هناك ايضاً، فهم يستخدمون الإبل، أو قل هم أبّالة، ولذلك فإن ايقاعهم، الجراري، أُخذ من صوت الإبل، لأنهم يحاكونها بإصدار صوت حنجري، أو أنهم يطنبرون، ولطبيعة الأرض هناك، يخرج صوتهم مجروراً وليناً مأخوذاً من تقلب الرمل وحركة الإبل. لا شئ ينفك عن العلاقة بالأرض وبأنعامها.
وهذه الأفكار انتجتها حفلة وليد عبد الحميد Waleed Abdelhamid التي أحياها عندنا بالأمس في هاميلتون في صالة صغيرة حميمة من صالات هاملتون العتيقة Artword Artbar.
تألق وليد في أداء نسخته الجازية لأغنية سمسم القضارف. وقدم اغنيات من كردفان ووسط السودان بالاضافة إلى أغنيته الجديدة أم الخير. ما لفت نظري هو أن جمهور الحفل، ومعظمهم من أعمار فوق الأربعين ومن أصول قوقازية، كانوا أشد إنفعالاً مع المردوم والجراري ولكن كان هناك أيضاً حضور من سن أقل من أربعين. وما أعطى الأداء طابعاً عالمياً هو اهتمام وليد بالشكل الجازي والبلوزي jazz للغناء والموسيقى، متمثلاً في استخدام خاصية الارتجال في اللحن، وهي سمة جازية هامة، وذلك مستعيناً بعازف ساكسفون sax في سن مبكرة من عمره، بالإضافة لإرتجاله هو شخصياً وعازف الكيبورد. استطاع وليد أن يوهط الايقاعات السودانية داخل عالم من موسيقى الجاز والبلوز. ولئن استطاع وليد أن ينفذ إلى أقطار السمع الغربي مستعيناً بقوة وأثر ايقاعات السودان فإن هناك ملاحظتين عامتين أرجو أن يوليهما عنايته.
وأولاهما مسألة الارتجال في تنفيذ الموسيقى، وبقدرما كان ذلك الفتى ممتازاً في عزفه فإن صغر سنه لا يسمح له بمعرفة عميقة بالموسيقى التي يشتغل عليها، أي موسيقى السودان. وإذا لم نقل بضرورة أن يكون المرتجل في موسيقى سودانية ينبغي أن يكون سودانياً فإننا نقول بأنه ينبغي أن يكون ذا خبرة في الموسيقى لا تتأتى إلاّ بالخبرة السمعية وبتقادم السن.
الملاحظة الثانية حول الآلات، فقد استخدم وليد آلة الدرامز وآلة الكيبورد والساكسفون بالاضافة لعزفه هو على آلة البيز جيتار، وكل شئ مكهرب وجميل، تشكيلة جميلة في حفل موسيقى جاز. ولكن ماذا لو استعاض وليد عن الساكسفون بآلات سودانية نفخية، وعن الكيبورد بمزيج بين آلتي أم كيكي والطمبور بعد مقايسة هارمونية بسيطة أو حتى استخدم الكورا kora من غرب افريقيا، واستعاض عن الدرامز بآلة الدمبا أو الطبول والدلوكة. حينها سيكون المشهد والمسمع كله أفريقيا بحتاً.
المهم في الأمر أن ما يقدمه وليد هو عمل جدير بالاستماع والحضور ويشير إلى عمق وتجذر الايقاعات الموجودة في السودان ومقدرتها على التغلغل في نفس المستمع من ثقافة أخرى، وقد ذكرنا فقط بعضاً منها. ولوليد جمهور لا يستهان به في المدن الكندية الكبيرة، ونتوقع أن يكون معروفاً خارج نطاق شمال أمريكا.
الرابط أدناه للمكان الذي اقيم فيه الحفل:
http://www.artword.net/artbar/


Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

سؤال الضهبان

MovieGlobe: Japan's Version of Romeo and Juliet

الواقعية المفرطة Hyperreality